الموضوع الأول: هل الإدراك فعالية ذاتية أم فعالية موضوعية؟
الطريقة جدلية:
1
/طرح المشكلة: يمتلك الإنسان مجموعة من القدرات التي تمكنه من الاتصال بالعالم الخارجي ومعرفته، من بين أهم هذه القدرات نجد الإدراك الذي يعد مصدرا أساسيا لمعرفة ما يحيط به من موضوعات فبها يتم التعرف على ماهيتها وحقيقتها،ونظرا لكون الإدراك عملية معقدة ، فقد اختلف علماء النفس في بيان طبيعتها و تحديد العوامل الأساسية التي تتحكم فيها، فهناك من يرجعها إلى عوامل ذاتية خاصة بالذات المدركة وهناك من يرجعها إلى عوامل موضوعية خاصة بالموضوع المدرك وشكله، ومنه نطرح السؤال التالي: هل الإدراك فعالية ذاتية أم موضوعية؟
2/العرض:ا/عرض منطق الأطروحة الأولى: ذهب بعض علماء النفس خاصة أنصار المدرسة التقليدية إلى أن الإدراك فعالية ذاتية بالدرجة الأولى وليست فعالية موضوعية حيث أن هناك عوامل ذاتية تتحكم في هذه العملية وبدونها لايتم الإدراك، وتتمثل في شروط نفسية وذهنية حيث يرى الفيلسوف الفرنسي روني ديكارت أن الإدراك عملية عقلية معقدة يتدخل فيها مستوى ذكاء الفرد ومدى اهتمامه وميوله ورغباته وطبيعة مخيلته ، فالإدراك يختلف باختلاف القدرات العقلية بين الأفراد، فمثلا إدراك الذكي يختلف عن إدراك الغبي، كما أن الإدراك يتأثر بميول ورغبات الذات المدركة، وهذا ما يؤكده أيضا الفيلسوف الفرنسي دي آلان حيث يرى أن إدراك المكعب يكون عن طريق العقل لا كموضوع خارجي ، كما أن الإدراك يتأثر بالحالة الجسمية والنفسية للفرد فالذي يكون في حالة قلق مثلا يكون إدراكه مشوشا وغير واضح عكس الذي يكون في حالة نفسية سليمة ، ويضيف عالم النفس الفرنسي هنري برغسون عامل التجارب والخبرات السابقة، فالإنسان الأكثر تجربة وخبرة يكون أسهل إدراكا الأشياء حيث يقول هذا الأخير:الإدراك تذكر. ب/ النقد:لا يمكن إنكار تأثير العوامل الذاتية خاصة العقلية في التحكم في الإدراك، لكنها غير كافية، ففي بعض الأحيان قد تتوفر هذه الشروط ولا يحصل الإدراك أو يكون الإدراك غير واضح نظرا لطبيعة الشيء المدرك وشكله ومدى انتظام عناصره.
ج/ عرض منطق الأطروحة النقيض:وهذا ما اتجه إليه بعض علماء النفس خاصة أنصار المدرسة الجشطالتية التي ترى أن الإدراك فعالية موضوعية مرتبطة ارتباطا قويا بعوامل موضوعية تتمثل في شروط خاصة بالموضوع المدرك، وسميت هذه الشروط بقوانين انتظام المجال الإدراكي، فإدراك الموضوع هو إدراك صورة كوحدة منظمة أو بنية شاملة، فالإدراك مرتبط بطبيعة الموضوع المدرك وشكله ومدى انتظام عناصره في صورة كلية منظمة ذات شكل معين وليس مرتبط بالخبرة،فكل موضوع يدرك حسب بنيته وشكله ومدى انتظامه،وتتمثل قوانين الانتظام حسب الألماني كوهلر في: أولا نجد قانون الشكل والأرضية، فكلما كان الشكل أكثر وضوحا على الأرضية كان إدراكنا له جيدا،ومثال ذلك النجوم الشكل في الليل أكثر وضوحا لان الأرضية السماء سوداء، أما في النهار فلا تظهر لان الأرضة بيضاء، وثانيا نجد عامل التشابه، فكلما الأشياء متشابهة من حيث اللون أو الحجم أو الشكل كلما سهل إدراكها، بالاظافة إلى عامل التقارب والاتصال،فكلما كانت العناصر المدركة متقاربة كلما زاد إدراكنا للصورة وضوحا حيث يقول عالم النفس السويسري جان بياجي: أذا رأينا ثلاث أو أربع نقاط متقاربة بدل النقطة الواحدة لم نستطع أن نمنع أنفسنا من جمعها في صورة تقديرية من المثلثات أو المربعات.وهناك عامل الإغلاق فالفرد يميل إلى إغلاق الأشكال غير التامة، وندركها كصورة موحدة حيث يقول كوهلر:إن الإدراك يرجع إلى الموضوع الخارجي لان شكل الموضوع وبناؤه العام هو الذي يحدد درجة الإدراك ومدى وضوحه.
النقد: صحيح ما ذهبت إليه المدرسة الجشطتاتية في كون انتظام عناصر الموضوع له دورفي توضيح ادراكاتنا، لكن هذه النظرية جعلت الإدراك كله قائما على العوامل الموضوعية ، فقد تتوفر هذه الشروط لكن ادراكاتنا تختلف من ذات إلى أخرى.
ج/التركيب: إن الإدراك تتدخل فيه عوامل ذاتية خاصة بالذات المدركة وعوامل موضوعية خاصة بصفات الموضوع المدرك وهذا ما ذهبت إليه المدرسة الظواهرية أو الفينومينولوجية فكل إدراك هو شعور بموضوع، حيث أن العلاقة بين الذات المدركة والموضوع المدرك حسب الألماني ادموند هوسرل علاقة قصديه أي أن هناك تأثر متبادل بين الذات المدركة والموضوع المدرك، فهذا الأخير هو موضوع المعرفة التي تشعر به الذات، والذات تعطي له وعيا أو قصدا للتعبير عن معرفته