الإشكال:هل النظام الرأسمالي كفيل بتحقيق حياةاقتصادية مزدهرة أم النظام الاشتراكي ؟
تختلف النظم الاقتصادية ماضيا باختلاف موقعها من الملكية ومايصل بها من حيث النوع والحقوق و الواجبات فهناك من حيث النوع قسمان ،ملكية فرديةوهي التي يكون فيها المالك معنيا ، وملكية جماعية وهي التي يكون فيها المالك معنوياأي معين في شخص بعينه كالدولة و العشيرة و القبيلة ومن هنا فقد اختلف جمهورالفلاسفة في تحديد النظام الاقتصادي الذي يحقق ازدهاراً اقتصادياً و بالتالي نتساءل : هل النظام الرأسمالي كفيل بتحقيق حياة اقتصادية مزدهرة أم أن هناك نظاما آخر كفيلبذلك ؟ .
يرى أنصار النظام الليبراليـ الرأسمالي ـ أن هذا الأخير كفيل بتحقيق حياة اقتصادية مزدهرة و يستندون في ذلكإلى حجج و براهين بحيث يعتمد على مبادئ تعد الركيزة الأساسية التي يستند إليها فيتعامله ومن أهمها الملكية الفردية لوسائل الإنتاج و كذا المنافسة الحرة التي تضمنالنوعية و الكمية و الجودة بالإضافة إلى عدم تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية وكذلك نجد قانون العرض و الطلب وهو قانون طبيعي يحدد الأسعار و الأجور فإذا زادالطلب قل العرض و العكس ، ومن كل هذا نستنتج أن فلسفة النظام الرأسمالي تقوم علىمسلمة واحدة و أساسية هي أن سبب كل المشاكل الاقتصادية يرجع إلى تدخل الدولة فيتحديد الأسعار و الأجور و الإنتاج ، فلا يزدهر الاقتصاد إلاّ إذا تحرر من كل القيودو القوى التي تعيق تطوره وفي هذا يقول آدم سميث أحد منظري الليبرالية دعه يعملأتركه يمر)، و إذا كان تدخل الدولة يعمل على تجميد وشل حركة الاقتصاد فإن التنافسالحر بين المنتجين يعتبر الوقود المحرك للآلة الاقتصادية فالحرية الاقتصادية تفتحآفاقا واسعة للمبادرات الفردية الخلاقة بحيث أن كل المتعاملين يبذلون قصارى جهدهملإنتاج ما هو أحسن وأفضل وبكمية أكبر و بتكلفة أقل ولا خوف في خضم هذا النشاط علىحركة الأجور و الأسعار لأن قانون العرض و الطلب يقوم بتنظيم هاتين الحركتين و فيهذا يرى آدم سميث أن سعر البضاعة يساوي ثمن التكلفة زائد ربح معقول ، لكن إذا حدثبسبب ندرة بضاعة معينة أن ارتفع سعر بضاعة ما فوق سعرها الطبيعي فإن هذه البضاعةتصبح مربحة في السوق الأمر الذي يؤدي بمنتجيها إلى المزيد من إنتاجها فيرتفع العرضو هذا يؤدي بدوره إلى انخفاض ثمنها و إذا زاد العرض عن الطلب بالنسبة لسلعة ما فإنمنتجيها يتوقفون عن إنتاجها أو يقللون منه لأنها غير مربحة و هذا يؤدي آليا إلىانخفاض العرض ومن ثمة ارتفاع الأسعار من جديد يقول آدم سميث إن كل بضاعة معروضة فيالسوق تتناسب من تلقاء نفسها بصفة طبيعية مع الطلب الفعلي ) ، وما يميز هذا النظامأنه لا يتسامح مع الضعفاء و المتهاونين والمتكاسلين ، و الملكية الخاصة و حب الناسللثروة هو الحافز الأول و الأساسي للإنتاج ، لذلك فإن أكثر الناس حرصا على السيرالحسن للعمل لأية وحدة إنتاجية هو مالكها ، بالإضافة إلى أن هذا النظام يحقق نوعامن العدالة الاجتماعية على أساس أنه ليس من المعقول ومن العدل أن يحرم الفرد حيازتهعلى شيء شقا وتعب كثيراً من أجله ، فبأي حق نمنع فردا من امتلاك ثمرة عمله وجهده ؟ .
أن قيمة النظام الرأسمالي إذا نظرناإليها من زاوية النجاح الاقتصادي لا يمكن أن توضع موضع الشك و التقدم الصناعي والتكنولوجي و العلمي الذي حققته الدول الرأسمالية دليل على ذلك ، ولكن هذا الرأي لميصمد للنقد وذلك من خلال الانتقادات التي وجهها الاشتراكيون بقيادة كارل ماكس التييمكن تلخيصها فيما يلي : أولاها أن النظام الرأسمالي لا إنساني لأنه يعتبر الإنسانمجرد سلعة كباقي السلع وثانيها أن النظام الرأسمالي يكثر من التوترات والحروب منأجل بيع أسلحته التي تعتبر سلعة مربحة و الدليل على هذا دول العالم الثالث وفي هذايقول جوريسكا إن الرأسمالي تحمل الحروب كما يحمل السحاب المطر) ، كذلك يقولتشومبيتر الرأسمالية مذهب وجد ليدمر) ، وثالثها أن النظام الرأسمالي أدى إلى ظهورالطبقية ـ برجوازية وكادحة ـ كما أه نظام لا يعرف فيه الإنسان الاستقرار النفسيبسبب طغيان الجانب المادي على الجانب الروحي كما أن هذا النظام أدى إلى ظهورالإمبريالية العالمية بالإضافة إلى أنه يوجد ظاهرة البطالة وكذا التمييز العنصري فيشكل لا يعرف حداً وهذا النظام بدوره يقضي على الرأسماليين الصغار ، وأخيرا فإنه لايوجد تناسب فيما يخص الأجور وساعات العمل يقول ماركس إن الرأسمالية تحمل في طياتهابذور فنائها) .
وعلى عكس الرأي السابقنجد أنصار النظام الاشتراكي الذي ظهر على أنقاض الرأسمالية وأهم رواده كارل ماكسوزميله انجلز في كتابه ـ رأس المال ـ ويرى ماركس أن المادية الجدلية هي المحركالأساسي للتاريخ فالنظام الاشتراكي يسعى من خلال توطين الشروط المادية إلى تحقيقالعدالة الاجتماعية وحياة اقتصادية مزدهرة وهذا من خلال مبادئ و أسس أهمها : الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج ـ الأرض لمن يزرعها والمصانع للعمال ـ وكذلكالتخطيط المركزي بالإضافة إلى اعتماد نظام التعاونيات في الإطار الفلاحي وفتحالمجال أمام النشاط النقابي لحماية حقوق العمال وحل مشكلة فائض الإنتاج والصراعالطبقي وكذا اعتماد مبدأ تكافؤ الفرص ، فالنظام الاشتراكي يعتمد كلية على الملكيةالجماعية لوسائل الإنتاج وذلك للقضاء على الظلم و استغلال الإنسان لأخيه الإنسانوبث الروح الجماعية والمسؤولية الجماعية في العمل وتعتبر الدولة هي الرأس المدبر والمخطط الأول و الأخير وهذا للقضاء على التنافس الذي يؤدي إلى الصراع وتحكم الفئةالثرية في المؤسسات الاقتصادية بحكم تعارض المصالح كما فتحت الدولة المجال أمامنظام النقابات وذلك لحماية حقوق العمال وللاشتراكية صور متعددة ما هو شبيهبالرأسمالية ومنها من يقترب من النظام الشيوعي ومنها ما هو وسط بين الطرفين .
لاشك أن النظام الاشتراكي استفاد منبعض عيوب الرأسمالية لكنه لم يستفد من نقاطه أو جوانبه الإيجابية بل رفضه جملةوتفصيلاً وهذا الخطأ الذي ارتكبه المنظرون الاشتراكيون ضف إلى ذلك أنه بالرغم منالغايات الإنسانية التي يسعى إليها النظام الاشتراكي فقد أوجد جملة من السلبياتأهمها أنه فشل في إيجاد حلول لظاهرة التسيب و الإهمال و اللامبالاة وروح الاتكالكذلك أنه أوجد نوعا من التسيير البيروقراطي الإداري بالإضافة إلى ظهور المحسوبية والرشوة وضعف الإنتاج في ظل غياب المنافسة وكثرة البطالة هذا بالإضافة إلى الخيالالنظري الشيوعي الذي أدى إلى سوء تقدير الواقع و النتائج الاقتصادية ، كما أن توجهالدول الاشتراكية في انتهاج سياسة اقتصاد السوق و الانفتاح على العالم وهذا مايؤكده الواقع المعاش ـ الجزائر ـ .
إنالنظامين الاقتصاديين السابقين وإن اختلفا في المبادئ و الغايات الاقتصادية إلاّأنهما مع ذلك لهما أساس علمي واحد يجمع بينهما فكلاهما ينظر للحياة الاقتصادية نظرةمادية ويقيمها على شروط موضوعية وهذا لا يعني أنهما تجردا من القيم الإنسانية ، غيرأن فلسفة الاقتصاد في الإسلام تنظر إلى الحياة الاقتصادية نظرة أكثر شمولاً و تعتنيبالنواحي الإنسانية عناية خاصة فقد تضمنت فلسفة الاقتصاد في الإسلام مبادئ وقواعدعامة لتنظيم الحياة الاقتصادية تنظيما أخلاقيا من أجل تحقيق حياة متوازنة بين الفردمن عمر أرضا ليستrو المجتمع وعلى هذا الأساس منحت الإنسان الحرية من الملكية لقولهلأحد فهو أحق بها )، وقوله أيضاً من أحي أرضا ميتة فهي له)، ولكن قيدها بالمصلحةالعامة حتى لا تكون أداة لاستغلال الإنسان لأخيه الإنسان وجعلها ملكية نسبية(حيث كلشيء لله)، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن الإسلام حرم كل أنواع الربا و الغش والاحتكار وكل ضروب الاستغلال .
وفيالأخير وكحوصلة لما سبق فإن الاقتصاد الحر لا يحقق لا الحياة المزدهرة ولا العدالةالاجتماعية لأنها منبع المصائب والأزمات أما الاشتراكية فإنها رغم فضحها لعيوبالرأسمالية لم يتسن لها تحقيق روح العدل ومن هنا فالنظام الذي يحقق الحياة المزدهرةإنما هو النظام الذي يجمع بين عنصري الاقتصاد و الأخلاق في آن واحد ألا وهو النظامالاقتصادي الإسلامي الذي يجعل من المال كوسيلة وليس كغاية يقول تعالى المال والبنون زينة الحياة الدنيا و الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا )
---
بالتوفيق و النجاح ان شاء الله